*حين يُغمسُ القلب في النور الخالص*
قال لي صاحبي وهو يحاورني :
أصبحتُ أجدُ في كتابِ الله خير مؤنسٍ لي ،
وكلما خلوتُ به ، لا أكاد أشك أنني دخلتُ جنةً دانيةَ القطوف ،
كثيرةَ الثمار ، ممتدةَ الظل ..
أنظرُ _ وأنا في تلك الدوحة ومن خلالها _ إلى الطريق الممتد ،
فإذا هو مشرقٌ يتلألأ ،
رغم الشوك المبثوث هنا وهناك ، ورغم كثرة قطاع الطرق ،
ورغم جموع السفهاء الذين يملأون الأفق ، ويسدون عين الشمس !!
حتى أنه ليهولني مرآهم أحيانا وأنا أراهم يلهون ويطربون ،
وسرعان ما يبرز أمام عيني بوضوح يتلألأ قول الحق تبارك اسمه:
( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ،، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)
فلا يزيدني بعد هذه الآية مرأى هؤلاء السفهاء
مهما طنطنوا وبرقشوا وبهرجوا ، إلا عزماً وإصراراً
على المضي في ركب الأنبياء عليهم السلام ...!
لسانُ حالي يحاول أن يترجم قولَ القائل :
قومٌ همومهمْ باللهِ قد علقتْ ,,,, فما لهمْ هممٌ تسمو إلى أحدِ
فمطلبُ القومِ مولاهم وسيدهمْ ,,,, يا حسنَ مطلبهمْ للواحدِ الأحدِ
قال الراوي :
وسكتَ أخي لحظات ، وأخذَ يرنو إلى بعيد ، ثم قال :
في كثيرٍ من الأحيان ، أخرجُ من قراءة وردي من كتاب الله ،
بزيادة إيمان واضحة ، كأنما تهب على قلبي نسائم الجنةِ ،
فتحييه تلك النسائم وهي تسمو به ،
وتحمله حملا ليلجَ إلى بوابة السماء لينهلَ من أنوارها ..
جلسة إيمانية بين يدي الله تبارك اسمه ، وقلبي يرتشفُ أعذب المعاني ،
وهل هناك أعذب من كلام الله وأحلاه وأشجاه وأروعه ..!!؟
ما أعذب الوحي في قلبي واشهاهُ ..!
جلسة لا تستغرق نصف ساعة ، أتلو فيها جزءاً كاملاً
من هذا الكلام الرباني المشرق ، الذي لو أنزل على جبلٍ
لرايته خاشعاً متصدعا من خشية الله ..!
نعم هي جلسة قصيرة لكنها :
تسمو بي تسمو تقذفني في دنيا الخيرِ
قال الراوي : ثم أتلفت إليّ أخي وقال:
أسوقُ إليك مشاعري بعد أن فرغتُ من وردي هذا اليوم ..
قلت : وأنا والله في لهفة لما ستقوله
، لأني على ثقة أنك ستنطق بالحكمة.
قال :
أكادُ أجزمُ أن هذا الكونَ كله يزهو منتشياً ،
كلما رأى إنساناً مؤمناً يقبلُ بكليةِ قلبهِ على الله ،
تشدهُ الأرضُ وشهواتها وفتنها إليها بقوةٍ ، وهو يتفلتُ منها ،
ليسمو على سفاسفها ، ويصيح في وجهها بثقة :
(.. مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون َ) ..!
لقد اهتزتِ الدنيا يوماً لمشهدِ يوسف عليه السلام
الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، وهو يتعالى على تسفّلِ امرأة العزيز ،
وقد هيأتْ الأجواء لشياطينها ، كي يمارسوا ألواناً من الضغط
على هذا الشاب المتلألئ ، غير أن يوسف كان أكبر من هذا كله ..
فطار محلقاً عالياً ، وتركها تزحف في استخذاء !!
يا إلهي .. ما أروع يوسف !!
فإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ..
فكيف لا يهتزُ الكونُ كلهُ طرباً لشابٍ مؤمن _ أو شابة _
لا سيما في عصر الفتن هذا الذي نعيشه ،
وهو يراه يتسامى فوق شهوات الأرض وزينتها وزخرفها وسفسافها
وشياطينها المتراقصة في كل قناة !! بل في كل زاوية ، وتحت كل حجر !!!
يترفع عليها مستخفاً بها ، وينظر إليها من علٍ وهو يصيح فيها
صيحة يوسف عليه السلام :
(..مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ..!!
مشهد كهذا أحسبهُ يجعلُ خلقاً كثيراً من خلقِ الله في حالة دهشةٍ وانبهار
وعجب وذهول ، إذ كيف استطاع هذا الوجه الضاحك المتلألئ بأنوار السجودِ
، أن يستعلي على كل هذا الضغط الهائل المنصب من كل حدب وصوب ،
فلا تكاد تؤثر فيه ، في الوقت الذين يرون أنفسهم
وهم يتساقطون في لهيبها كالفراش ...!!
أما هؤلاء فتمر بهم كالطائف يلم بنفوسهم ،
غير أنه لا يجعلهم يترنحون ، فيسقطون على أعتابها ،
بل أكثر هذا الصنف المتميز ، يجعله هذا الطائف بعينه ،
ينتبه ويزداد يقظة ، ويجمع قلبه مع الله ليزداد حضوراً بين يديه !!
( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
بهذا ينقلب السحر على الساحر ..!!
ألمّ بهم طائفُ الشيطانِ ليكسرهم ويذلهم ، غير أنهم تنبهوا له ،
وقلبوا الأمر عليه ، فكان هو بعينه عامل دفع جديد لهم إلى ربهم سبحانه ..! وهل روعة الحياة إلا هكذا ..!!؟ وهل التميز إلا هاهنا ؟؟!
وسكت صاحبي وأخذ نفساً عميقاً .. فبادرته أقول :
بالله عليك واصل هذا الحديث السماوي الطازج ،
فإني أشعر بصداه واضحا في قلبي يحرك في غوره معاني رائعة ،
أحسب أن الله سينفعني بها ولو بعد حين ..
ابتسم صاحبي وأخذ يحمد الله ويثني عليه ثم قال :
حين وصلت إلى النقطة السابقة في حديثي ، قفزت في ذهني آية
من كتاب الله ، وكأني لم أفهمها على هذا الوجه الذي سأقوله إلا اليوم ..
قلت : هات .. زدني ولا تنقصني ..!
قال : تأمل قول الله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم:
) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) .
الآية هنا تتحدث عن المنافقين ، ولاحظ أنه قال : ( وقلبوا لك الأمور )
مع أنهم أرادوا أن يقلبوا ( عليه ) الأمور لتلتبس عليه ..
ولكن انقلب السحر على الساحر !
وهاهنا في موضوعنا ، أجد أن القصة نفسها تتكرر ..
أراد الشيطان أن يقلب عليهم الأمر ليلبّس عليهم ،
فإذا به يقلبه لهم ، ليزدادوا بصيرة ،
ويشمروا لمزيد من الإقبال على الله تعالى ..
قال الراوي : فجأة وجدت نفسي أطلق تسبيحة مديدة .. وأكرر التكبير ..
قال صاحبي :
قد لا يتحقق لك هذا المعنى في ويوم وليلة .. ولا شهر وشهرين ..
فلا ينبغي لك أن تيأس حين ترى نفسك لم تصل إلى هذه الذرا ،
بل هذا جدير أن يجعلك تواصل التشمير ، ومزيد اليقظة ،
وكثير الحذر ، ومتابعة مجاهدة نفسك في ذات الله ..
ففي الحديث الشريف : والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله ..
وثق أن عاقبة الصبر دوماً محمودة ..
وسوف تصل بإذن الله ولو بعد حين ..
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ..
وتذكر أن مثل هذا الأمر لا يتم على كماله دفعة واحدة ،
بل لا يزال ينمو شيئا فشيئا حتى يتكامل مع الأيام ..
فواصل الطرق فإن الباب يوشك أن يفتح لك ..
وتأمل هذا البيت الجميل :
لاستسهلنّ الصعبَ أو أدرك المنى ,,,, فما انقادتِ الآمال إلا لصابرِ
فلا يكن مثل قائل هذا البيت خير منك
مع أنه يبغي غاية أدنى مما ترجو ..!!!
وسكت صاحبي مجددا غير أني لمحت على شفتيه ابتسامة ترف ..
فسألته عن سر هذه الابتسامة فقال :
كأني بعد هذا الحديث عن هذا الإنسان المتميز المتلألئ ،
كأني أرى المشهد بوضوح ..
واللهُ سبحانه جل في علاه يقول لملائكته :
يا ملائكتي كيف وجدتم عبدي _ وهو أعلم _ ؟ ...
فيثنون عليه خيراً ..
فيقول لهم : ألستم قلتم عنه ذات يوم :
(.. أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ..) ؟
فيقولون : سبحانك أنت أعلم .. !!
هذا الإنسانُ المتميز المملوء القلب بذكر الله ،
الذي تشرق الأرض كلما وضع جبهته عليها سجودا لله ،
والذي يشنف أذن الدنيا حين يتلو كلام ربه ويناجيه ويترنم باسمه ،
هذا الإنسان الذي يضيء ثغره بالابتسام ثقة بربه ،
وفرحا بقربه ، واعتزازا بخدمته ..
فيرف النور من بين شفتيه لأنه انعكاسٌ لما في قلبه من توهج وإشراق ..
هذا الإنسان الندي التقي النقي الذي يهش له وجه الحياة ،
مع مطلع كل صباح وهو منصرفٌ من صلاة فجرية ،
شهدتها الملائكة وغمرت أهلها بالنور الخالص ،
ثم جلس لحظات يذكر ربه جل جلاله ويناجيه ...
كانت صلاته الفجرية وأذكار ما بعد الصلاة
وهو يعيشها بكل مشاعره اشبه بجنة غمس فيها قلبه غمسة ً ،
لينسى بها كل شدة ، وكل هم وغم ، ليخرج جديدا نقيا على الحياة ..!!
فكأنما قيل له : هل مرت بك شدة قط ؟!
فيصيح : كلا ..كلا والله ..!!
ولما فرغ انصرف من مسجده مع لحظة تولد نهار يوم جديد ،
فلما وضع قدمه على عتبة المسجد ، استقبلته الحياة فرحة به ،
متهللة له ، مستبشرة به ، لأن أمثال هذا القلب الكبير المستنير
هم الذين سيملأونها عدلا بعد أن ملأت جورا !!
وبادرت تطبع على جبينه قبلة حانية وهي تقول له هامسة :
كنتَ في جنة ، وأنت إلى الجنة تسير ،
فلا تغفل فيضيع الطريق من بين قدميك ،
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون مهما زخرفوا وبهرجوا وبرقشوا ،
ومهما تسلطت عليهم أضواء العالم ...!
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ..!!
فرفع رأسه إليها وابتسم لها ، وقال :
أنا بالله كل شيء ، وأنا بدون الله لا شيء ..
وما دمتُ معه ، فلن أضيع.. .!
قال لي صاحبي وهو يحاورني :
أصبحتُ أجدُ في كتابِ الله خير مؤنسٍ لي ،
وكلما خلوتُ به ، لا أكاد أشك أنني دخلتُ جنةً دانيةَ القطوف ،
كثيرةَ الثمار ، ممتدةَ الظل ..
أنظرُ _ وأنا في تلك الدوحة ومن خلالها _ إلى الطريق الممتد ،
فإذا هو مشرقٌ يتلألأ ،
رغم الشوك المبثوث هنا وهناك ، ورغم كثرة قطاع الطرق ،
ورغم جموع السفهاء الذين يملأون الأفق ، ويسدون عين الشمس !!
حتى أنه ليهولني مرآهم أحيانا وأنا أراهم يلهون ويطربون ،
وسرعان ما يبرز أمام عيني بوضوح يتلألأ قول الحق تبارك اسمه:
( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ،، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)
فلا يزيدني بعد هذه الآية مرأى هؤلاء السفهاء
مهما طنطنوا وبرقشوا وبهرجوا ، إلا عزماً وإصراراً
على المضي في ركب الأنبياء عليهم السلام ...!
لسانُ حالي يحاول أن يترجم قولَ القائل :
قومٌ همومهمْ باللهِ قد علقتْ ,,,, فما لهمْ هممٌ تسمو إلى أحدِ
فمطلبُ القومِ مولاهم وسيدهمْ ,,,, يا حسنَ مطلبهمْ للواحدِ الأحدِ
قال الراوي :
وسكتَ أخي لحظات ، وأخذَ يرنو إلى بعيد ، ثم قال :
في كثيرٍ من الأحيان ، أخرجُ من قراءة وردي من كتاب الله ،
بزيادة إيمان واضحة ، كأنما تهب على قلبي نسائم الجنةِ ،
فتحييه تلك النسائم وهي تسمو به ،
وتحمله حملا ليلجَ إلى بوابة السماء لينهلَ من أنوارها ..
جلسة إيمانية بين يدي الله تبارك اسمه ، وقلبي يرتشفُ أعذب المعاني ،
وهل هناك أعذب من كلام الله وأحلاه وأشجاه وأروعه ..!!؟
ما أعذب الوحي في قلبي واشهاهُ ..!
جلسة لا تستغرق نصف ساعة ، أتلو فيها جزءاً كاملاً
من هذا الكلام الرباني المشرق ، الذي لو أنزل على جبلٍ
لرايته خاشعاً متصدعا من خشية الله ..!
نعم هي جلسة قصيرة لكنها :
تسمو بي تسمو تقذفني في دنيا الخيرِ
قال الراوي : ثم أتلفت إليّ أخي وقال:
أسوقُ إليك مشاعري بعد أن فرغتُ من وردي هذا اليوم ..
قلت : وأنا والله في لهفة لما ستقوله
، لأني على ثقة أنك ستنطق بالحكمة.
قال :
أكادُ أجزمُ أن هذا الكونَ كله يزهو منتشياً ،
كلما رأى إنساناً مؤمناً يقبلُ بكليةِ قلبهِ على الله ،
تشدهُ الأرضُ وشهواتها وفتنها إليها بقوةٍ ، وهو يتفلتُ منها ،
ليسمو على سفاسفها ، ويصيح في وجهها بثقة :
(.. مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون َ) ..!
لقد اهتزتِ الدنيا يوماً لمشهدِ يوسف عليه السلام
الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، وهو يتعالى على تسفّلِ امرأة العزيز ،
وقد هيأتْ الأجواء لشياطينها ، كي يمارسوا ألواناً من الضغط
على هذا الشاب المتلألئ ، غير أن يوسف كان أكبر من هذا كله ..
فطار محلقاً عالياً ، وتركها تزحف في استخذاء !!
يا إلهي .. ما أروع يوسف !!
فإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ..
فكيف لا يهتزُ الكونُ كلهُ طرباً لشابٍ مؤمن _ أو شابة _
لا سيما في عصر الفتن هذا الذي نعيشه ،
وهو يراه يتسامى فوق شهوات الأرض وزينتها وزخرفها وسفسافها
وشياطينها المتراقصة في كل قناة !! بل في كل زاوية ، وتحت كل حجر !!!
يترفع عليها مستخفاً بها ، وينظر إليها من علٍ وهو يصيح فيها
صيحة يوسف عليه السلام :
(..مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ..!!
مشهد كهذا أحسبهُ يجعلُ خلقاً كثيراً من خلقِ الله في حالة دهشةٍ وانبهار
وعجب وذهول ، إذ كيف استطاع هذا الوجه الضاحك المتلألئ بأنوار السجودِ
، أن يستعلي على كل هذا الضغط الهائل المنصب من كل حدب وصوب ،
فلا تكاد تؤثر فيه ، في الوقت الذين يرون أنفسهم
وهم يتساقطون في لهيبها كالفراش ...!!
أما هؤلاء فتمر بهم كالطائف يلم بنفوسهم ،
غير أنه لا يجعلهم يترنحون ، فيسقطون على أعتابها ،
بل أكثر هذا الصنف المتميز ، يجعله هذا الطائف بعينه ،
ينتبه ويزداد يقظة ، ويجمع قلبه مع الله ليزداد حضوراً بين يديه !!
( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
بهذا ينقلب السحر على الساحر ..!!
ألمّ بهم طائفُ الشيطانِ ليكسرهم ويذلهم ، غير أنهم تنبهوا له ،
وقلبوا الأمر عليه ، فكان هو بعينه عامل دفع جديد لهم إلى ربهم سبحانه ..! وهل روعة الحياة إلا هكذا ..!!؟ وهل التميز إلا هاهنا ؟؟!
وسكت صاحبي وأخذ نفساً عميقاً .. فبادرته أقول :
بالله عليك واصل هذا الحديث السماوي الطازج ،
فإني أشعر بصداه واضحا في قلبي يحرك في غوره معاني رائعة ،
أحسب أن الله سينفعني بها ولو بعد حين ..
ابتسم صاحبي وأخذ يحمد الله ويثني عليه ثم قال :
حين وصلت إلى النقطة السابقة في حديثي ، قفزت في ذهني آية
من كتاب الله ، وكأني لم أفهمها على هذا الوجه الذي سأقوله إلا اليوم ..
قلت : هات .. زدني ولا تنقصني ..!
قال : تأمل قول الله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم:
) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) .
الآية هنا تتحدث عن المنافقين ، ولاحظ أنه قال : ( وقلبوا لك الأمور )
مع أنهم أرادوا أن يقلبوا ( عليه ) الأمور لتلتبس عليه ..
ولكن انقلب السحر على الساحر !
وهاهنا في موضوعنا ، أجد أن القصة نفسها تتكرر ..
أراد الشيطان أن يقلب عليهم الأمر ليلبّس عليهم ،
فإذا به يقلبه لهم ، ليزدادوا بصيرة ،
ويشمروا لمزيد من الإقبال على الله تعالى ..
قال الراوي : فجأة وجدت نفسي أطلق تسبيحة مديدة .. وأكرر التكبير ..
قال صاحبي :
قد لا يتحقق لك هذا المعنى في ويوم وليلة .. ولا شهر وشهرين ..
فلا ينبغي لك أن تيأس حين ترى نفسك لم تصل إلى هذه الذرا ،
بل هذا جدير أن يجعلك تواصل التشمير ، ومزيد اليقظة ،
وكثير الحذر ، ومتابعة مجاهدة نفسك في ذات الله ..
ففي الحديث الشريف : والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله ..
وثق أن عاقبة الصبر دوماً محمودة ..
وسوف تصل بإذن الله ولو بعد حين ..
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ..
وتذكر أن مثل هذا الأمر لا يتم على كماله دفعة واحدة ،
بل لا يزال ينمو شيئا فشيئا حتى يتكامل مع الأيام ..
فواصل الطرق فإن الباب يوشك أن يفتح لك ..
وتأمل هذا البيت الجميل :
لاستسهلنّ الصعبَ أو أدرك المنى ,,,, فما انقادتِ الآمال إلا لصابرِ
فلا يكن مثل قائل هذا البيت خير منك
مع أنه يبغي غاية أدنى مما ترجو ..!!!
وسكت صاحبي مجددا غير أني لمحت على شفتيه ابتسامة ترف ..
فسألته عن سر هذه الابتسامة فقال :
كأني بعد هذا الحديث عن هذا الإنسان المتميز المتلألئ ،
كأني أرى المشهد بوضوح ..
واللهُ سبحانه جل في علاه يقول لملائكته :
يا ملائكتي كيف وجدتم عبدي _ وهو أعلم _ ؟ ...
فيثنون عليه خيراً ..
فيقول لهم : ألستم قلتم عنه ذات يوم :
(.. أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ..) ؟
فيقولون : سبحانك أنت أعلم .. !!
هذا الإنسانُ المتميز المملوء القلب بذكر الله ،
الذي تشرق الأرض كلما وضع جبهته عليها سجودا لله ،
والذي يشنف أذن الدنيا حين يتلو كلام ربه ويناجيه ويترنم باسمه ،
هذا الإنسان الذي يضيء ثغره بالابتسام ثقة بربه ،
وفرحا بقربه ، واعتزازا بخدمته ..
فيرف النور من بين شفتيه لأنه انعكاسٌ لما في قلبه من توهج وإشراق ..
هذا الإنسان الندي التقي النقي الذي يهش له وجه الحياة ،
مع مطلع كل صباح وهو منصرفٌ من صلاة فجرية ،
شهدتها الملائكة وغمرت أهلها بالنور الخالص ،
ثم جلس لحظات يذكر ربه جل جلاله ويناجيه ...
كانت صلاته الفجرية وأذكار ما بعد الصلاة
وهو يعيشها بكل مشاعره اشبه بجنة غمس فيها قلبه غمسة ً ،
لينسى بها كل شدة ، وكل هم وغم ، ليخرج جديدا نقيا على الحياة ..!!
فكأنما قيل له : هل مرت بك شدة قط ؟!
فيصيح : كلا ..كلا والله ..!!
ولما فرغ انصرف من مسجده مع لحظة تولد نهار يوم جديد ،
فلما وضع قدمه على عتبة المسجد ، استقبلته الحياة فرحة به ،
متهللة له ، مستبشرة به ، لأن أمثال هذا القلب الكبير المستنير
هم الذين سيملأونها عدلا بعد أن ملأت جورا !!
وبادرت تطبع على جبينه قبلة حانية وهي تقول له هامسة :
كنتَ في جنة ، وأنت إلى الجنة تسير ،
فلا تغفل فيضيع الطريق من بين قدميك ،
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون مهما زخرفوا وبهرجوا وبرقشوا ،
ومهما تسلطت عليهم أضواء العالم ...!
إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ..!!
فرفع رأسه إليها وابتسم لها ، وقال :
أنا بالله كل شيء ، وأنا بدون الله لا شيء ..
وما دمتُ معه ، فلن أضيع.. .!